الفنان العراقي هَيْمت في غاليري "أجيال" مؤثّرات الغرب وتقنياته في خدمة الذاكرة والجذور
في أول إطلالة لبنانية له يعرض الفنان العراقي هَيْمت أربعاً وثلاثين لوحة (الى 19 حزيران الجاري) في غاليري "أجيال"، شارع عبد العزيز. تلفت بدءاً الألوان الدافئة والمشعّة التي تستدعي ألوان الأزياء التراثية للنساء الكرديات، علماً أن الفنان المولود في كركوك عام 1960 يعيش في باريس منذ التسعينات، لكنه يبدو دائم التعلّق بتراث أرضه وجذوره، ومن البديهي أن تظهر التأثيرات العاطفية على نحو مؤسلب قريب من التشخيص العقلاني للتخطيطات الهندسية الطالعة من أعماق المخيلة الشعبية ذات المنحى التردادي لنواحي الزخرفة والتزيين والاستعانة بالمساحيق والمستحضرات التجميلية والوشم التقليدي القديم. وكل ذلك مخزن في ذاكرة الفنان فيطوّر أجزاء من الاستذكارات البصرية ويلصقها باجتهادات آنية، قد تكون عشوائية، أضيفت إليها تعديلات لتحميلها معاني حديثة تنتمي الى الاختبارات التشكيلية البعيدة عن الغنائية المفرطة أو الوصف المجاني.
يركب هَيْمت لوحته بحسب معادلة لونية وحده سرّ خليطها المستحدث. لا يمنح إياً من لوحاته إسماً، كأنه يؤثر تركها هائمة بلا مرفأ ترسو عنده أو محطة تنزل فيها. والمجهول في ما نشاهده يوازي الذبذبات والتموّجات المتماثلة والمتناغمة الإيقاعات لتخلق نوعاً من الموسيقى البصرية الداخلية المستمدة من الإشارات اللونية المتوالية. ومن تموّج نسيج نص لوحته ولمعان صباغها المتعدد والمتراكم الذي لا يخلف انطباعاً بأنه خاضع لتعجينات غير نظيفة، الى استلهام فنون التخطيط وفق نظام مدروس، مونوكرومي أحياناً. ينتقل الفنان من اللوحة شبه التزيينية الى العمل المقطع والمعاد تكوينه كما في الحجاب (لاتقاء النظرات أو الهواء). ثم تتقطع الخطوط في خانات متساوية الحجم، متعددة اللون، متداخلة الأطراف، كأنها تتماهى. هناك الزجاج المنفوخ، والزجاج المرصوف بالألوان المتنوعة التي تزيّن كنائس القرون الوسطى، والتقنيات الحديثة لتذويب الزجاج وتلحيمه.
تركيب في خانات تردادية يفيد هَيْمت من لاوعيه التراثي ليقرأ ويرى ويحلل ويستوعب ما تلقنه في الغرب. لا يستسلم للعقلانية مثلما لا يغرف أكثر من حاجته من مخزون الذاكرة وحضارة الأجداد. يبقى عراقياً روحاً ورؤية وانتماء. ولا يتجاوز إنتاجه المستوى المقبول لكنه قادر على تطويره أكثر وإضافة معطيات جديدة تخصّب تجربته الراهنة وتمتّن مساره الفني وتبعده عن التجاذبات التي ما برحت في نصه التشكيلي الحالي.